Jul 19, 2010

مؤتمر بوتسدام الخطوة الأولى نحو الحرب الباردة


في 17 من يوليو عام 1945 وفي مدينة بوتسدام الألمانية، بدأ مؤتمر زعماء كل من الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين والولايات المتحدة هاري ترومان ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشيل، الذي توفي وجاء من بعده رئيس الوزراء الجديد كليمنت أتلي في 28 يوليو
ومن المفترض أن يلخص هذا المؤتمر نتائج الحرب العالمية الثانية، رغم أنها، أنذاك، لم تنتهي بشكل رسمي، إلا أن مقاومة اليابان في منطقة الشرق الأقصى من الكرة الأرضية، أضحت غير قادرة على تغيير شيء من الواقع. ومن الجدير ذكره أن لقاء بوتسدام كان اللقاء الثالث والأخير، بعد لقائي طهران ويالطا، للدول الثلاث الكبرى، لزعماء التحالف الرئيسي ضد هتلر

وكان الموضوع الرئيسي لمباحثات القمة هو تحديد مصير ألمانيا بعد الحرب. وبحسب قرارات مؤتمر يالطا عام 1945، تنص معاهدة بوتسدام على ما يلي: تجريد ألمانيا من السلاح وحل قواتها المسلحة وهدم الصناعات العسكرية والعمل على اجتثاث الفكر النازي ونشر الديمقراطية في ألمانيا، وهاتين العمليتين تعنيان القضاء على الأحزاب الوطنية الإشتراكية وعلى المنظمات والهيئات العاملة تحت جناح هذه الأحزاب ومنع أي نشاطات عسكرية أو دعائية في البلاد. ولدفع التعويضات للمتضررين، قام المشاركين في المؤتمر بتوقيع اتفاقية بهذا الصدد، التي تعطي الحق للشعوب التي عانت من عدوان الفاشيين الحصول على تعويضات مالية
كما تم خلال المؤتمر التوصل إلى اتفاق على احتلال ألمانيا من قبل أربع دول وتقسيمها إلى مناطق، بهدف نشر الديمقراطية في البلاد! وتحييدها من السلاح. وأثناء احتلال ألمانيا سُلمت السلطة العليا في البلاد إلى القادة العسكريين في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كل في منطقته. أما المسائل التي تتعلق بألمانيا كلها، فكان من المفترض أن تحل على يد المشاركين في مجلس قيادة الحلفاء
الاتفاق الذي اسفر عن مؤتمر بوتسدام رسم حدود جديدة لألمانيا، بحيث أصبحت حدودها مع بولندا تمر عند خط أودر ـ نايسه، وأدى هذا التحديد إلى ترحيل السكان الألمان من بولندا وتشيكوسوفاكيا والمجر. وتقاسم الاتحاد السوفيتي وبولندا منطقة بروسيا الشرقية، حيث أضحت عاصمتها كونسبرج وبعد مرور عام أصبحت تعرف بكاليننغراد

 ونتيجة لهذه التحولات خسرت ألمانيا أراضي بروسيا، التي اعتبرت معقل الشوفينية والسياسة العسكرية. كما اتفق المشاركون في المؤتمر تقديم المجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأعلنوا شروط استسلام اليابان. اي باختصار بحث موضوع تقسيم والإدارة المشتركة لألمانيا
ولقد توصل المشاركون إلى توافق في العدد الأكبر من القضايا المطروحة، إلا أن التناقضات والعداوات بدأت بالظهور في مؤتمر بوتسدام، وقادت بسرعة إلى ما يعرف بـ"الحرب الباردة". أكثر ما فجر النقاشات الساخنة كان موضوع حدود ألمانيا إضافة إلى ظهور حكومات جديدة في بلدان أوروبا الشرقية، تديرها أنظمة موالية للاتحاد السوفيتي. وفي نهاية المطاف توصل الزعيمان الغربيان والزعيم السوفيتي إلى اتفاق، قسمت أوروبا بموجبه إلى منطقتي تأثير، رغم أنهم كانوا، في بداية الأمر أو بالأحرى هكذا كان الإدعاء، أنهم يسعون إلى تخليص أوروبا من مناطق التأثير هذه بعد الانتصار في الحرب. وما "سكب الزيت على النار" في تلك الأونة هو إجراء اختبار لأول سلاح ذري في العالم في تاريخ 16 يوليو عام 1945. في الحقيقة اعتمد الرئيس ترومان على فكرة أن القنبلة ستكون وسيلة للضغط النفسي وغير النفسي على العالم بشكل عام وعلى الاتحاد السوفيتي خاصة

 
فلقد كان الثنائي ترومان ـ تشرشل مهتمين كيف يفهما ستالين بأنه ظهر لديهما ورقة الآس الرابحة القادرة على تحطيم الدور السوفيتي. وبعد مرور أسبوع من بدء أعمال المؤتمر وبعد انتهاء الدورة المتتابعة، اتخذ ترومان قراره، واستوقف ستالين على درجات قصر سيسلنهوف، ورمى بضعة كلمات بشكل عرضي تدل على امتلاك الولايات المتحدة لسلاح لم يسمع أحد بقدرته التدميرية سابقاً. استمع إليه ستالين بصمت، هز رأسه وتابع سيره دون أن يعلق على هذا الخبر. فاعتقد ترومان وتشرشل إنه لم "يفهم" المغزى، لذا يجب تخويفه بشكل أقوى وبخشونة. وفي هذه الدقائق قُرر مصير المدينتين اليابانيتين. بعد أن لمّح ترومان لستالين عن السلاح الذي بحوزة الولايات المتحدة، استنتج من ردة فعل ستالين أن الأخير لا يعرف شيئاً عن القنبلة النووية. ولم يستطع ترومان أن يخفي ابتهاجه فأضاف قائلاً إن لديه "عصا كبيرة الشبان السوفييت". وكإجراء وقائي جُربت هذه "العصا" على المدن اليابانية المدنية. وتأثيرها تجاوز كل ما كان متوقعاً
لكن المذكرات والوثائق تشير إلى أن ستالين، ورغم اعتقاد الكثير من المؤرخين والباحثين، عرف وأدرك وفهم تماماً عن ماذا يدور الحديث، لأنه وفي مساء ذلك اليوم وبعد أن علم بقيام الولايات المتحدة بتجربة الذخيرة الذرية أعطى أمراً بتسريع تصنيع حشوة ذرية سوفيتية. ومن هنا بدأت حقبة الدبلوماسية النووية
وبهذا أصبح مؤتمر بوتسدام أخر لقاء للدول الثلاث الكبرى وأخر لقاء جمع الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي بصفة حلفاء، ومنذ ذلك الحين وعلى مدى عشرات السنين اللاحقة أصبح الاتحاد السوفيتي والغرب في أفضل الأحوال متنافسين